كذبات دونالد ترامب الزرقاء.




*هذا المقال مترجم من موقع مجلة ساينتفيك أميريكان.


دونلد ترامب يكذب.

يمكن بسهوله الكشف عن خداعه وتصريحاته المُضَللة. وكمثال حديث -بعد مئات من الأكاذيب الموثقة- مدير مكتب الإف بي آي جايمس كومي أخبر الكونجرس الأمريكي بأنه "لا توجد معلومات تدعم إدعاء ترامب" بأن الرئيس السابق أوباما قد تنصت عليه.

ولكن مسار ترمب السياسي يمثل معضله. حيث أن أكاذيبه لا تقلص من زخمه، ولكن يبدو أنها زادت من شعبيته خلال فترة الانتخابات الأمريكية. والآن كل ما يتم الكشف عن واحدة من أكاذيبه لا يبدو أن لهذا تأثيرا يذكر على تأييد الجمهورين له. فبعد تعليق مدير الإف بي آي كومي، ثبت متوسط القبول له عند 40%.

وهذا جعل الكثيرين يتساءلون: كيف يستطيع نجم تلفزيون الواقع السابق دونالد ترمب النجاح رغم أكاذيبه؟ كيف يمكنه الكذب بهذا الشكل ومع ذلك يحصد تأييداً من الأمريكيين؟

العديد من الصحفيين والباحثين اقترحوا عدداً من الأجوبة،من التحيز المفرط (hyper-biased) وحالة الانقسام في الإعلام إلى جهل المصوتين في الحزب الجمهوري. ولكن هناك تفسيراً آخر لا يكاد يذكر. وهو أن ترامب يخبر كذباً "زرقاء" وهو مصطلح في علم النفس يطلق على الكذبة التي تقال نيابةً -أو دفاعاً- عن مجموعة ما، والتي تساهم في ترابط الأواصر بين أفراد تلك المجموعة.

يبدأ الأطفال في في قول أكاذيب تنبع من رغبة أنانية منذ سن الثالثة، عندما يكتشفوا عدم قدرة الآخرين على قراءة أفكارهم: أنا لم أسرق تلك اللعبة، أبي أخبرني ان باستطاعتي ذلك، هو ضربني أولاً. وتقريبا عند سن السابعة، يبدأ الأطفال في قول كذبات بيضاء التي تنبع من مشاعر تعاطف او الإحساس بمشاعر الآخرين: هذه رسمة رائعة، احب هديتك التي أهديتني، انت مضحك.

أما الكذبات الزرقاء فهي في فئة مختلفة كلياً، فهي كذبه أنانية وفي نفس الوقت تنتفع منها جهة معينة ينتمي إليها صاحب الكذبة. وكما يفسر عالم النفس في جامعة تورنتو كانج لي،  تقع الكذبة الزرقاء فيما بين الكذبة البيضاء والكذبة الأنانية" السوداء".ويتابع،" يمكنك ان تخبر كذبة زرقاء ضد مجموعة أخرى غير التي تنتمي إليها”، وهذا ما يجعلها كذبة تخدم الآخرين "اي مجموعتك" وكذلك كذبة أنانية تخدم بها نفسك. “كمثال، يمكنك الكذب عن كون فريقك لم يغش في المباراة، وهذه الكذبة أنانية، ولكنها تخدم فريقك.”

في دراسة أجريت في 2008 لأطفال في السابعة والتاسعة والحادية عشر من العمر -هذه الدراسة الأولى من نوعها- وجد لي وزملائه الباحثين أن قابلية قول كذبة زرقاء لدى الأطفال تناسبت طرديا مع أعمرهم. كمثال،عندما وجد الأطفال فرصة للكذب عن الغش في اختيار فريق المدرسة للشطرنج، كان الكثيرين على استعداد للقيام بذلك، وكان الأطفال الأكبر سناً أكثر قابلية من الأصغر سناً. لم يخبر الأطفال هذه الكذبة للفائدة الشخصية ولكن قاموا بها لأجل مدرستهم. وجدت هذه الدراسة أن الكذبة السوداء تفرق الناس والكذبة البيضاء تجمعهم، بينما الكذبة الزرقاء تعزز الأواصر بين مجموعة في حين تفرقها عن الآخرين.

حول العالم يكبر الأطفال على قصص الأبطال الذين قاموا بالكذب والعنف لصالح مجموعتهم. ففي فلم ستار ورز، كمثال قامت الأميرة ليا بالكذب حول مكان "مقر القاعدة السرية للثوار". في سلسة هاري بوتر، جل حياة العميل المزدوج البروفيسور سنايب كانت كذبة، وإن كانت كذبة زرقاء، في خدمة قضية أكبر منه.

وهذا يفسر لما ذا يقبل معظم الأمريكيين أن تكذب وكالات الاستخبارات الأمريكية دفاعا عن الأمن القومي، وكذلك تعظيمهم للجواسيس كأبطال. ومن هذه الزاوية فإن الكذبات الزرقاء تعتبر سلاحا في الصراعات بين الفرقاء. وكما قالت الفيلسوفة السويدية سسليا بوك، "الخداع والعنف، هذان نوعان من أنواع الاعتداء على الإنسانية." الكذب والقتل عادة ما تصنف كجرائم عندما ترتكب في داخل مجموعة ولكن كعمل نبيل في حالة حرب.

هذا البحث وتلك القصص تسلط الضوء على حقيقية صعبة عن جنسنا البشري: نحن مخلوقات اجتماعية بشدة، ولكننا على قابلية للتقسم لمجموعات متنافسة، وذلك لغرض الاستحواذ على الموارد. يمكن للبشر أن يكونوا اجتماعيين وعطوفين وعلى قدر من الإحساس بمشاعر الآخرين وكريميين وصادقين في داخل مجموعتهم، ولكن عدوانيين وغير اجتماعيين في خارج المجموعة. عندما نتقسم لمجموعات، فإننا نفتح الباب للمنافسة والتجرد من القيم الإنسانية والعنف والخداع المقبول اجتماعيا.

"يتغاضى الناس عن الكذب تجاه الأمم المعادية، وبما أن هناك الكثير من الأمريكيين من يرى أن الآخرين على الطرف الأخر من السياسة الأمريكية كأعداء، فهم يشعرون أن الكذب -عندما يتعرفون عليه- يعتبر وسيلة مناسبة من وسائل الحرب،كما يقول جورج إيدورز عالم سياسي في جامعة تكساس ايه اند ام، وواحد من اهم الباحثين في الرئاسة.

فإذا رأينا كذبات ترامب ليس كفشل في شخصيته ولكن كأسلوب حرب، عندها يمكننا الفهم لماذا ينظر له مناصروه كقائد على درجة من الكفاءة. ومن هذه الناحية الكذب هو ميزة وليس عيباً، في حملة ترامب الانتخابية ومسيرته في الرئاسة حتى الآن.

أبحاث قام بها إلكسندر جورج ثيودوريس و أرلي هوكشيلد و كاثرين جيه كرامر و موريس شفايتزر وآخرين وجدوا أن هذا النوع من الكذب يزدهر في جو من الغضب والاستياء وحالة الاستقطاب الشديدة. الهوية الحزبية على أشدها بحيث أن انتقاد الحزب يبدو كتهديد للشخص، والذي يطلق العديد من أليات الدفاع النفسية.

لملايين وملايين من الأمريكيين، ظاهرة التغير المناخي خدعة وأدارت هيلاري كلينتون حلقة لتجارة الجنس والهجرة تسبب ارتفاع نسبة الجريمة. سواءً صدقوا تلك الأكاذيب أم لا هو أمر قابل للنقاش وربما غير مهم. حتى اليوم تقترح الدراسات انهم ينظرون إلى تلك الأكاذيب كأسلحة مفيدة في منافسة ذات طابع قبلي يُحَرض فيها "الأمريكيون الحقيقيون" ضد أولئك الذين يسعون لخرابها.

في الكذبات الزرقاء يجتمع احسن وأسواء ما في الإنسانية. تكشف الكذبات الزرقاء ولاءنا ومقدرتنا على التعاون وعلى الاعتناء بالآخرين حولنا والثقة بهم. وفي نفس الوقت تكشف الكذبات الزرقاء قابليتنا للكره والنظر بدونية للآخر، ونزعتنا لخداع انفسنا.

وهذا يلمح على الحل، والذي يبدأ من النظر إلى الأفضل بين بعضنا البعض. وبينما يبدو هذا مثاليا بدرجة كبيرة، التطبيقات لهذه الفكرة واقعية. في ورقة بحثية نشرت في مجلة تطورات في علم النفس السياسي (Advances in Political Psychology) دي جي فيلن وبريندان نيهان، وكلهما من كلية دارتموث، وبالتعاون مع جيسون ريفلر، لخصوا كل ما يعرفه العلم عن "الادعاءات الخاطئة وغير المثبتة في السياسة”.

وقد أوصوا بمجموعة متناثرة من التقنيات، مثلا عرض المعلومات على بشكل بياني أو صوري بدلا عن عرضها على شكل نصي. ويبدو أن المزيج المثالي هو العرض الصوري الذي ترافقه قصة. ولكن هذا يصطدم مع تصور علمي آخر، تصور سيسبب الإحباط للمعارضين لأكاذيب ترامب: من يخبر القصة مهم، فالدراسات دراسة تلو الأخرى تثبت أن الناس أكثر قابلية لتصديق حقيقة "عندما تصدر من مصادر تتعاطف معها فكرياً" كما تقول الورقة البحثية، تزداد المصداقية إذا كانت تلك المصادر تبدو مشابهه للمتلقي شكلاً وقولاً.

وبالمختصر، يجب على المحافظين البيض تبيين أكاذيب ترامب، حتى يتم وقفها.

وما الذي يمكن للآخرين فعله في الوقت الحالي؟ يجب علينا جعل الدقة هدفاً، حتى عندما لا تتوافق الحقائق مع رغباتنا. نبدأ بالتحقق من المعلومات، البحث عن مصادر أخرى منافسه، استغلال التنوع الموجود في مواقع التواصل الاجتماعي، مشاركة المعلومات بأمانه والاعتراف عندما نفشل في ذلك. هذا الأمر سهلولكن الأمر الأكثر أهمية وصعوبة الذي يمكننا القيام به هو، كما تقترحه الدراسة، وضع مسافة حرجة بيننا وبين مجموعتنا التي ننتمي إليها، وبهذا يخف علينا ضغط اللحاق بالقطيع.


دونالد ترامب يكذب، نعم، ولكن لايعني ذلك، وهذا يشمل مناصروه كذلك، أن نحذوا حذوه.



مقال ل Jeremy Adam Smith




Comments

  1. Casino Lake Tahoe, Nevada - Mapyro
    The Casino Lake Tahoe is 계룡 출장마사지 a 5-minute walk 춘천 출장샵 from Casino Lake Tahoe. It is owned and operated 청주 출장마사지 by Harrah's 김포 출장안마 Casino and is open daily 24 hours. The 강릉 출장마사지 casino is open

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

لماذا نبتعد عن العلوم؟ لأننا لا نقدر الفشل

كذبة الأكاديمية البريطانية للتدريب والتطوير